الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **
بعد الغوط ولعهد المسلمين وأخبار من والملوك لهذا العهد من النصرانية أربعة في أربعة من العمالات محيطة بعمالة المسلمين قد ظهر إعجاز الملة في مقامهم معهم وراء البحر بعدما استرجعوا من أيديهم ما نظمه الفتح الإسلامي أول الأمر. وأعظم هؤلاء الملوك الأربعة: قشتالة وعمالاته عظيمة متسعة مشتملة على أعمال جليقية كلها مثل قشتالة وغليسية. والقرنتيرة وهي بسيط قرطبة وإشبيلية وطليطلة وجيان آخذة في جوف الجزيرة من المغرب إلى المشرق. ويليه من جانب الغرب ملك البرتغال وعمالته صغيرة وهي أشبونة ولا أدري نسبه فيمن هو من الأمم. ويغلب على الظن أنه من أعقاب القواميس الذين تغلبوا على عمالات بني أدفونش في العصور الماضية كما نذكر بعد ولعله من أسباطهـم وأولـي نسبهـم واللـه أعلم. ويلي ملك قشتالة هذا من جهة الشرق ملك نبرة وهو ملك البشكنس وعمالته صغيرة فاصلة بين عمالات قشتالة وعمالة ملك برشلونة وقاعدة ملك نبرة وهي مدينة ينبلونة. وملك برشلونة وما وراءها. ونحن الآن نذكر أخبار هذه الأمم من عهد الفتح بما يظهر لك منه تفصيل أخبارهم وذلك أن النصرانيـة لمـا تغلـب عليهـم المسلمون عند الفتح سنة تسعين مم الهجرة وقتلوا لزريق ملك الغوط وانساحوا في نواحي جزيرة الأندلس واجفلت أمم النصرانية كلها أمامهم إلى سيف البحر من جانب الجوف وتجاوزوا الدروب وراء قشتالة واجتمعوا بجليقة وملكوا عليهم ثلاثة: ابن ناقلة فأقـام ملكـا تسـع عشـرة سنة وهلك سنة ثلاث وثلاثين ومائة وولي ابنه قافلة سنتين. ثم هلك فولـوا عليهـم بعدهمـا أدفونـش بـن بطـرة وهـو الـذي اتصل ملكه في عقبه لهذا العهد. ونسبهم في الجلالقة من العجم كما تقدم. ويزعم ابن حيان أنهم ما أعقاب الغوط وعندي أن ذلك ليس بصحيـح فـإن أمـة الغـوط قـد دثـرت وغبـرت وهلكـت وقـل أن يرجـع أمـر بعد إدباره. وإنما هو ملك مستجد في أمة أخرى والله أعلم. فجمعهم أدفونش بن بطرة على حماية ما بقي من أرضهم بعـد أن ملـك المسلمـون عامتهـا. وانتهـوا إلـى جليقة وأقصروا عن الفتح بعدها حتى فشلت الدولة الإسلامية بالأندلس وارتجع النصارى الكثير مما غلبوا عليه. وكـان مهلـك أدفونش بن بطرة سنة اثنتين وأربعين ومائة لثمان عشرة سنة من ملكه وولي عده أنه فرويلة إحدى عشرة سنة قوي فيها سلطانه وقارنه فيها شغل عد الرحمن الداخل بتمهيد أمره فاسترجع مدينة بك وبرتغال وسمورة وسلمنقة وشقرنية وقشتالة بعد أن كانت انتظمت للمسلميـن فـي الفتـح. وهلـك سنـة ثمـان وخمسيـن وولـي ابنـه شيلـون عشـرة سنيـن. وهلـك سنـة ثمـان وستيـن فولـوا مكانـه أدفونـش منهـم ووثـب علـب سمـول مـاط فقتلـه وملـك مكانه سبع سنين. وعلى عقب ذلك استفحل ملك عبد الرحمن بالأندلس وأغزى جيوشـه أرض جليقيـة ففتـح وغنـم وأسر. ثم ولي منهم أدفونش آخر سنة اثنتين وخمسين وهلك سنة ثمان وستين فولوا مكانه قال ابن حيان: كانت ولاية رذمير هذا عند ترهب أخيه أدفونش الملك قبله وذلك سنة تسع عشـرة وثلاثمائـة علـى عهـد الناصـر وتهيـأ للناصـر الظهـور عليه إلى أن كان التمحيص على المسلمين في غزوة الخندق وذلك سنة سبع وعشرين وثلاثمائة وكانت الواقعة بالخندق وقريبا من مدينة شنـت ماكـس كمـا ذكـر فـي أخبـاره. ثم هلك رذمير سنة تسع وثلاثين وولي أخوه شانجة وكان تياهاً معجباً بطالاً فانتقض سلطانه ووهن ملك قومه وانتزى عليه قوامس دولته فلم يتم لبني أدفونـش بعدهـا ملك مستبد في الجلالقة إلا من بعد أزمان الطوائف وملوكهم كما ذكرناه. وكان اضطراب ملكهم كما نقل ابن حيان على يد فردلند بن عبد شلب قومس ألبة والقلاع فكان أعظم القوامس وهم ولاة الأعمال من قبل الملك الأعظم فانتقض على شانجة البة وظاهرهم ملك البشكنس على شانجة وورد شانجة على الناصر بقرطبة صريخا فأمده واستولى بذلك الإمـداد علـى سمورة فملكها وأنزل المسلمين بها واتصلت الحرب بين شانجة وبين فردلند إلى أن أسر فردلند في بعض أيام حروبهم وحصل في أسر ملك البشكنس على أن ينفذ إليه أسيره فردلنـد بـن عبـد شلـب قومـس البة والقلاع فأبى من ذلك وأطلقه. ووفد على المنتصر أردون بن أدفونش المقارع لشانجة صريخا سنة إحدى وخمسين فأجابه وأنفذ غالباً مولاه في مدده. ثم هلـك شانجة ملك بني أدفونش ببطليوس وقام بأمرهم بعده ابنه رذمير وهلك أيضا فردلند بن عبـد شلـب قومـس ألبـة وولي بعده ابنه غرسية ولقي رذمير المسلمين بالثغر في بعض صوائفهم وعظمـت نكايتـه بعـد مهلـك الحكـم المستنصـر إلـى أن قيض الله لهم منصور بن أبي عامر حاجب ابنـه هشـام فأثخـن فـي عمـل رذميـر وغـزاه مـراراً وحاصـره في سمورة ثم في ليون بعد أن زحف إلـى غرسيـة بـن فردلنـد صاحـب ألبـة وظاهـر معـه ملـك البشكنس فغلبهما. ثم ظاهروا مع رذمير وزحفوا جميعاً للقائه بشنت ماكس فهزمهم واقتحمها عليهم وخربها. وتشاءم الجلالقة برذمير وخرج عليهم عمه بزمند بن أرذون وافترق أمرهم. ثم رجع رذمير طاعـة المنصـور سنـة أربـع وسبعيـن وهلك على أثرها فأطاعت أمه واتفقت الجلالقة على بزمند بن أرذون وعقد له المنصور على سمورة والعيون وما اتصل بهما من أعمال غليسية إلى البحر الأخضـر واشتـرط عليـه فقبـل. ثـم امتعـض بزمنـد لمـا نـزل جلالقـة عيـث المنصـور سنـة ثمان وسبعين فافتتح حيون وحاصره في سمورة ففر عنها وأسلمها أهلها إلى المنصور فاستباحها ولم يبق لملك الجلالقة إلا حصون يسيرة بالجبل الحاجز بين بلدهم وبين البحر الأخضر. ثـم اختلـف حـال بزمنـد في الطاعة والإنتقاض والمنصور يردد إليه الغزو حتى أذعن واخفر ذمته الخارج على المنصور فأسلمه إليه سنة خمس وثمانين وضرب عليه الجزية. وأوطن المسلمين مدينة سمـورة سنـة تسـع وثمانيـن وولـي عليهـا أبـا الأحـوص معـن بـن عبـد العزيـز التجبـي. ثـم سـار إلـى غرسيـة بـن فردلنـد صاحـب ألبـة وكان أعان المخالفين على المنصور وكان فيمن أعان عليه حين خرج عليه فنازل المنصور مدينة أشبونة قاعدة غليسية فملكها وخربها. وهلك غرسية هذا فولي ابنه شانجة وضرب المنصور إليهم الجزية وصار أهل جليقة جميعاً في طاعته وكانوا كالعمـال لـه إلا بزمنـد بـن أرذون ومسـد بـن عبـد شلـب قومس غليسية فإنهما كانا أملك لأمرهما. على أن مسداً بعث انته للمنصور سنة ثلاث وثمانين وصيرها جاريـة لـه فأعتقهـا وتزوجها. ثـم انتقـض بزمنـد وغـزاه المنصـور فبلـغ شنـت ياقـب موضـع حـج النصرانيـة ومدفن يعقوب الحواري من أقصى غليسية وأصابها خالية فهدمها ونقل أبواها إلى قرطبة فجعلها في سمت الزيادة التي أضافهـا إلـى المسجـد الأعظـم. ثـم تطـارح بزمنـذ بـن أرذون فـي السلـم وانفـذ ابنـه يلانـة مـع معـن بـن عبـد العزيـز صاحـب جليقـة فوصـل بـه إلـى قرطبـة وعقـد لـه السلـم وانصـرف إلـى أبيـه. وألح المنصور على أرغومس من القوامس وكانوا في طرف جليقية بين سمورة وقشتالة وقاعدتهم شنـت بريـة فافتتحهـا سنـة خمـس وثمانيـن. ثـم هلـك بزمنـد بـن أرذون ملـك بني أدفونش وولي ابنه أدفونش وهو صاحب بسيط غرسية واحتكما إلى عبد الملك بن المنصور فخرج أصبغ بن سلمـة قاضـي النصـارى للفصـل بينهمـا فقضـى بـه لمسـد بـن عبـد شلـب. فلـم يـزل أدفونـش بزمنـد فـي كفالته إلى أن قتل غيلة سنة ثمان فاستبد أدفونش بأمره وطلب القواميس المقتدرين على أبيه وعلى من سلف من قومه برسوم الملك فحاز ذلك منهم لنفسه وبعث على نواحيهم من عنده وأذعنوا لـه وسقـط ذكرهـم فـي وقتـه مثـل بنـي أرغومـس وبنـي فردلنـد الذيـن قدمنـا ذكرهـم وقـد كـان قيامهم أيام شانجة بن رذمير من بني أدفونش كما قدمناه. جمعهم أدفونش للقاء عبد الملك المظفر بن المنصور فظاهرهم ملك البشكنس ولقيهم بظاهر فلونية فهزموهـم وافتتـح الحصـن صلحاً. ثم انقرض أمر المنصور وبنيه وجاءت الفتنة البربرية على رأس المائة الرابعة فانتهز الفرصة في المسلميـن صاحـب ألبـة وهـو شانجـة بـن غرسيـة وصـار يظاهر الفرقة الخارجة على الأخرى إلى أن أدرك بعض الأمل وقتل ملك البشكنس سنة ست وأربعمائة وتغلب النصارى على ما كان عليـه بقشتالـة وجليقيـة. ولـم يـزل أدفونـش ملكـاً علـى جليقيـة وأعمالهـا. واتصـل الملـك في عقبة إلى أن كان شأن الطوائف. تغلب المرابطون ملوك المغرب من لمتونة على ملوك الطوائف واستولوا على الأندلس وانقرض منها ملك العرب أجمع. وفي تواريخ لمتونة وأخبارهم أن ملك قشتالة الذي ضرب الجزية على ملوك الطوائـف سنـة خمسيـن وأربعمائـة هـو البيطبييـن ويظهر أنه كان متغلباً على شانجة بن ابرك الملك يومئذ من بني أدفونش وهو مذكور في أخبارهم وأنه لما هلك قام بأمره بنوه فردلند وغرسية ورذمير وولي أمرهم فردلند واحتوى على شنت برية وعلى كثير من عمل ابن الأفطس. ثم هلك وخلف شانجة وغرسية والفنش فتنازعوا ثم خلص الملك لألفنش وعلى عهده مات الظاهر إسماعيل بن ذي النون سنة سبع وستين وأربعمائة وهو المستولي على طليطلة سنة ثمان وسبعين وهو يومئذ اعتزاز النصرانية بجزيرة الأندلس وكـان مـن بطارقتـه وقواميـس دولتـه البرهانـس فكـان يلقب الانبنذور ومعناه ملك الملوك. وهو الذي لقي يوسف بن تاشفين بالزلاقة وكانت الدائرة عليه وذلك سنة إحدى وثمانين. وحاصـر ابـن هـود فـي سرقسطـة وكـان ابـن عمـه رذميـر منازعاً له فزحف إلى طليطلة وحاصرها فامتنعت عليه وحاصر القسريلية وغرسية المرية والبرهانس مرسية وقسطون شاطبة وسرقسطـة. ثـم استولـى علـى بلنسيـة سنـة تسـع وثمانيـن وارتجعها المرابطون من يده بعد أن غلبوا ملوك الطوائف على أمرهم. ثم مات الفنش سنة إحدى وخمسمائة وقام بأمر الجلالقة زوجته وتزوجت رذمير ثم فارقته وتزوجت بعده قمطاً من أقماطها وجاءت منه بولد كانوا يسمونه السليطين وأوقع ابن رذمير بابـن هـود سنـة ثلـاث وخمسمائـة الواقعـة المشهـورة التـي استشهـد فيها. وملك ابن رذمير سرقسطة وفـر عمـاد الدولـة وابنـه إلـى روطـة فأقـام إلـى أن استنزلـه السليطيـن ونقلـه إلـى قشتالـة. ثـم كانـت بين رذميـر وأهل قشتالة حرب هلك فيها البرهانس سنة سبع وخمسمائة وذلك لآخر أيام المرابطون بلمتونـة. ثـم انقـرض أمرهـم علـى يـد الموحديـن. وكان أمر النصارى لعهد المنصور يعقوب ابن أمير المؤمنين يوسف بن عبد المؤمن كان دائرا بين ثلاثة من ملوكهـم الفنـش والبيبـوح وابـن الرنـد وكبيرهـم الفنـش وهـو أميرهـم يـوم الـأرك الـذي كـان للمنصـور عليهـم سنـة إحدى وتسعين وخمسمائة والبيبوح صاحب ليون هو الذي مكـر بالناصـر عـام العقـاب فداخلـه وقـدم عليـه وأظهـر لـه التنصيـح فبذل له أموالا. ثم غدر به وكر عليه الهزيمة يوم العقاب. ثم هلك الناصر وولـي المستنصـر وفشـل ريـح بنـي عبـد المؤمـن واستولـى الفنش على جميع ما افتتحه المسلمون من معاقـل الأندلـس وارتجعهـا. ثـم هلك الفنش وولي ابنه هراندة وكان أحول وكان يلقب بذلك وهو الـذي ارتجـع قرطبـة وإشبيليـة من أيدي بني هود وعلى عهده زحف ملك أرغون فارتجع شرق الأندلس كلـه شاطبـة ودانيـة وبلنسيـة وسرقسطـة وسائـر الثغـور والقواعـد الشرقيـة. وانحـاز المسلمون إلى سيف البحر وملكوا عليهم ابن الأحمر بعد ولايه ابن هود. ثـم هلـك هرانـدة وولـي ابنـه ثـم هلك ابنه وولي ابنه هراندة وأجاز بنو مرين إلى الأندلس صريخاً لابن الأحمر وسلطانهم يومئذ يعقوب بن عبد الحق فلقيته جموع النصرانية بوادلك وعليهم ذنبة من أقباط بني أدفونش وزعمائهم فهزمهم يعقوب بن عبد الحق وبقيت فتن متصلة ولم يلقه يعقـوب وإنما كان يغزو بلادهم ويكثر فيها العيث إلى أن ألقوه بالسلم وخالف على هراندة ملك قشتالـة هـذا ابنـه شانجة فوفد هراندة على يعقوب بن عبد الحق صريخاً وقبل يده فقبل وفادته وأمـده بالمـال والجيـش ورهـن فـي المـال التـاج المعـروف مـن ذخائـر سلفهـم فلـم يـزل بـدار بنـي عبـد الحـق من بني مرين لهذا العهد. ثم هلك هراندة ثلاث وثمانين واستقل ابنه شانجة بالملك ووفد على يوسف بن يعقوب بالجزيرة الخضراء بعد مهلك أبيه يعقوب وعقد معه السلم. ثم انتقض وحاصر طريف وملكها وهلك سنة ثلاث وتسعين فولي ابنـه هرانـدة. ثـم هلـك سنـة اثنتـي عشـرة وسبعمائـة فولـي ابنـه بطـرة صغيـرا وكفلـه عمـه جران وكان نزلها جميعاً على غرناطة عند زحفهما إليها سنة ثمان عشرة وسبعمائة فولـي ابنـه الهنشـة بـن بطرة صغيرا وكفله زعماء دولتهم. ثم استبد بأمره وزحف إلى السلطان أبي الحسن وهو محاصر لطريف سنة إحدى وخمسين فهلك في الطاعون الجارف وملك ابنه بطرة وقرابته القمط برشلونة فأجاره ملكها وزحف إليه بطرة مرارا وتغلـب علـى كثيـر مـن أعماله. وحاصر بلنسية مـراراً. ثـم أتيـح الغلـب للقمـط سنـة ثمـان وسبعيـن وسبعمائـة فاستولـى علـى بلاد قشتالة. وزحفت إليه أمم النصرانية لما كانوا سئموا من عنف بطرة وسوء ملكته ولحق بطرة باسم الفرنجة الذين وراء قشتالة في الجوف بجهات الليمانية وفرطانية إلى سيف البحر الأخضـر وجزيـرة قـدوح شنـت مزيـن ملكهم الأعظم وهو البلنس غالس. وجاء معه مدداً بأمم لا تحصـى حتـى ملـك قشتالـة والقرنتيرة ورجعوا عنه إلى بلادهم بعد أن أصابهم وباء هلك الكثير منهم. ثـم اتصلـت الحـرب بيـن بطـرة وأخيـه القمـط إلى أن غلبه القمط واعتصم منه بطرة ببعض الحصون ونازله القمط حتى إذا أشرف على أخذه بعث بطرة إلى بعض الزعماء سراً لنيل النزول في جـواره فأجابـه ووشـى بـه لأخيـه القمـط فكسبـه في بيت ذلك الزعيم وقتله سنة إثنتين وسبعين وسبعمائة. واستولى على ملك بني أدفونش أجمع واستنزل ابن أخيه بطرة من قرمونة. وقد كان اعتصم بها بعد مهلك أبيه مع وزيره مرتين لبس هو. واستقام لـه ملـك قشتالـة ونازعـه البلنـس غالـس ملـك الأفرنجة بالابن الذي هو من بنت بطرة على عادة العجم في تمليك ابـن البنـت محتجا بأن القمط لم يكن لرشدة. واتصلت الحرب بينهما وشغله ذلك عن المسلمين فامتنعـوا مـن الجزيـة التـي كانـت عليهـم لمن قبله. وهلك هذا القمط سنة إحدى وثمانين وسبعمائة فملـك ابنـه شانجـة وفـر ابنـه الآخـر غرمـس إلى غرناطة. ثم رجع إلى نواحي قشتالة والأمر على ذلك لهذا العهد وفتنتهم مع الفنش ملك الفرنج موصولة وعاديتهم لذلك عن المسلمين مرفوعة والله من ورائهم محيط. وأمـا ملـك البرتغـال بجهـة أشبونـة غـرب الأندلـس ومملكته صغيرة وهي من أعمال جليقية وصاحبها لهذا العهد متميز بسمته. وملكه مشارك لابن أدفونش في نسبه. ولا أدري كيف يتصل نسبه معهم. وأما ملك برشلونة بجهة شرق الأندلس فعمالتهم واسعـة ومملكتهـم كبيـرة تشتمـل علـى برشلونـة بجهـة وارغون وشاطبة وسرقسطة وبلنسية وجزيرة دانية وميورقة وبنورقة ونسبهم في الفرنج وسياق الخبر عن ملكهم ما نقل ابن حبان أن الغوط الذين كانوا بالأندلس كانوا قديماً في ملك الفرنج ثم اعتزموا عليهم وامتنعوا ونبذوا إليهم عهدهم. وكانت برشلونة من مماليك الفرنج وعمالاتهم فلما جاء الله بالإسلـام وكـان الفتـح قعـد الفرنـج عن نصر الغوط لتلك العداوة فلما انقضى أمر الغوط زحف المسلمون إلى الفرنج فأزعجوهم عن برشلونة وملكوها. ثم تجاوزوا الحروب من ورائها إلى البسائط بالبر الكبير فملكوا من قواعدها جزيرة أربونة وما إليها من تلك البسائط. ثم كانت فترة عند انقراض الدولة الأموية بالمشرق وبداية الدولة العباسية افتتن فيها العرب بالأندلس وانتهز الفرنج فرصتهم فارتجعوا بلادهم إلى برشلونة فملكوها لهذا العهد مائتين من الهجرة وولوا عليهم من قبلهم وصار أمرها راجعا إلى ملك رومة من الفرنجـة و هـو قارلـه الأكبر وكان من الجبابرة. ثم ركبهم من الخلاف والمنافسة في أوقات ضعفهم واختلاف ملوكهم كالذي ركبه المسلمون من ضعفت يده من الملوك فاقتطع الأمراء نواحيهم بكل جهة فكان ملوك برشلونة هؤلاء ممن اقتطع عمله وكان ملوك بني أمية لأول دولتهم يتراضون بمهادنة هؤلاء الملوك أهل برشلونة حذراً من مدد صاحب رومة ثم صاحب القسطنطينية من ورائه. فلما كانت دولة المنصور بن أبي عامر بين قطاع برشلونة عن ملك الفرنج شمر المنصور لغزوهم واستباح بلادهم وأثخن في أعمالهم وافتتح برشلونة وخربها وانزل بهم النقمات. وملكهم لعهده بردويل بن سير وكانت حالة الظهور عليه كحاله مع سائر الملوك النصارى. ولما هلك بردويل ترك من الولد فلبة وريند وأومنقود. ثم انتقض أومنقود على عبد الملك بن المنصور فغـزاه وأخـذه فـي بعـض ثغـوره صلحـاً. ثـم كانـت الفتنـة البربريـة وحضرهـا أومنقـود فهلـك فـي الوقعة مع البربر سنة أربعمائة وانفرد بيمند بملك برشلونة إلى أن هلك بعد عشر وأربعمائة وملـك ابنـه يلتنفيـر وكفلتـه أمه وحاربت يحيى بن منذ من ملوك الطوائف وهي التي تغلبت على ثغـر طرشوشـة واتصـل الملـك في عقب بيمند. وكان الملك منهم لآخر دولة الموحدين جامعة بن بطـرة بـن أدفونـش بـن ريند وهو الذي ارتجع بلنسية وملكهم بهذا العهد اسمه بطرة. ولم يبلغني كيـف اتصال نسبه بقومه. وملك بعد العشرين من هذه المائة وهو حي لهذا العهد وابنه غالب عليه لكبر سنه. والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.
ونبدأ منهم ببني الأغلب ولاة إفريقية وأولية أمرهم ومصائر أحوالهم قـد ذكرنـا فـي خلافـة عثمـان بـن عفـان رضـي اللـه عنـه شـأن فتـح إفريقيـة علـى يـد عبـد الله بن أبي سـرح وكيـف زحـف إليهـا فـي عشريـن ألفا من الصحابة وكبار العرب ففض جموع النصرانية الذين كانوا بها من الفرنجة والروم والبربر وهدم سبيطلة قاعدة ملكهم وخربها واستبيحت أموالهم وسبيت نساؤهم وبناتهم وأفترق أمرهم وساخت خيول العرب في جهات إفريقية وأثخنوا بها فـي أهـل الكفـر قتـلا وأسـراً حتـى لقـد طلـب أهـل إفريقيـة مـن ابـن أبي سرح أن يرحل عنهم بالعرب إلى بلادهم ويعطوه ثلاثمائة قنطار من الذهب ففعل وقفل إلى مصر سنة سبع وعشرين.
ثم أغزى معاوية بن أبي سفيان معاوية بن خديج السكوني إفريقية سنة أربع وثلاثين وكان عاملا على مصر فغزاها ونازل جلولاء وقاتل مدد الروم الذي جاءها من قسطنطينية لقيهم بقصر الأحمر فغلبهم وأقلعوا إلى بلادهم وافتتح جلولاء وغنم وأثخن وقفل.
ثم ولى معاوية سنة خمس وأربعين عقبة بن نافع بن عبد الله بن قيس الفهري على إفريقية واقتطعها عن معاوية بن خديج فبنى القيروان وقاتل البربر وتوغل في أرضهم. أبو المهاجر ثم استعمل معاوية على مصر وإفريقية مسلمة بن مخلد فعزل عقبة عن إفريقية وولى مولاه أبا المهاجر دينارا سنة خمس وخمسين فغزا المغرب وبلغ إلى تلمسان وخرب قيروان عقبة وأساء عزله وأسلم على يديه كسيله الأوربي بعد حرب ظفر به فيها. عقبة بن نافع ثانيا ولما استقل يزيد بن معاوية بالخلافة رجع عقبة بن نافع إلى إفريقية سنة اثنتين وستين فدخل إفريقيـة وقـد نشـأت الـردة في البرابرة فزحف إليهم وجعل مقدمته زهير بن قيس البلوي وفر منه الروم والفرنجة فقاتلهم وفتح حصونهم مثل لميس وباغاية وفتح أذنة قاعدة الزاب بعد أن قاتله ملوكهـا مـن البربـر فهزمهم وأصاب من غنائمهم وحبس أبا المهاجر فلم يزل في اعتقاله. ثم رحل إلى طنجة فأطاعه بلبان ملك غمارة وصاحب طنجة وهاداه وأتحفه ودله على بلاد البربر وراءه بالمغرب مثل وليلى عند زرهون وبلاد المصامدة وبلاد السوس وكانوا على دين المجوسيـة ولـم يدينـوا بالنصرانيـة فسـار عقبـة وفتـح وغنم وسبى وأثخن فيهم وانتهى إلى السوس. وقاتل مسوفة من أهل اللثام وراء السوس ووقف على البحر المحيط وقفل راجعا وأذن لجيوشه في اللحاق بالقيروان. وكان كسيلة ملك أروبة والبرانس من البربر قد اضطغن عليه بما كان يعامله به من الاحتصار يقال إنه كان يحاصره في كل يوم ويأمره بسلـخ الغنـم إذا ذبحـت لمطبخـه فانتهـز فيـه الفرصـة وأرسـل البربـر فاعترضـوا لـه فـي تهـودا وقتلوه في ثلاثمائة من كبار الصحابة والتابعين واستشهدوا كلهـم. وأسر في تلك الوقعة محمد ابن أوس الأنصاري في نفر فخلصهم صاحب قفصة وبعث بهم إلى القيروان مع من كان بها من المخلفين والفراري. ورجع زهير بن قيس إلى القيروان واعتزم على القتال وخالفه حنش بـن عبـد اللـه الصنعانـي وارتحـل إلـى مصـر واتبعـه النـاس فاضطـر زهيـر إلـى الخـروج معهـم وانتهـى إلـى برقـة فأقـام بهـا مرابطاً واستأمن من كان بالقيروان إلى كسيلة فأمنهم ودخل القيروان وأقاموا في عهده.
ولمـا ولـي عبـد الملـك بـن مـروان بعـث إلـى زهيـر بـن قيـس مكانـه من برقة بالمدد وولاه حرب البرابرة فزحف سنة سبع وستين ودخل إفريقية ولقيه كسيلة على ميس من نواحي القيروان فهزمه زهيـر بعـد حـروب صعبـة وقتلـه واستلحـم فـي الوقعـة كثيـر مـن أشراف البربر ورجالاتهم. ثم قفل زهير إلى المشرق زاهدا في الملك وقال: إنما جئت للجهاد وأخاف أن نفسي تميل إلى الدنيا وسار إلى مصر واعترضه بسواحل برقة أسطول صاحب قسطنطينية جاؤوا لقتاله فقاتلهم واستشهد رحمه الله تعالى.
ثـم أن عبـد الملـك بـن مـروان بعـد أن قتـل عبـد اللـه بـن الزبير وصفا له الأمر أمر حسان بن النعمان الغساني بغزو إفريقية وأمده بالعساكر ودخل القيروان وافتتح قرطاجنة عنوة وخربها وفر من كان بها من الروم والفرنجة إلى صقلية والأندلس ثم اجتمعوا في صطفورة وبنزرت وهزمهم ثانيـة. وانحـاز الفـل إلـى باجـة وبونـة فتحصنـوا بهـا. ثـم سـار حسـان إلـى الكاهنـة ملكة جرارة بجبل أوراس وهي يومئذ أعظم ملوك البربر فحاربها وانهزم المسلمون وأسر منهم جماعة. وأطلقتهم الكاهنة سوى خالد بن يزيد القيسي فإنها أمسكته وأرضعته مع ولديها وصيرته أخا لهما. وأخرجـت العـرب من إفريقية وانتهى حسان إلى برقة وجاءه كتاب عبد الملك بالمقام حتى يأتيه المـدد. ثـم بعـث إليـه المـدد سنـة أربـع وسبعيـن فسـار إلـى إفريقيـة ودس إلـى خالد بن يزيد يستعمله فأطلعه على خبرهم واستحثه فلقي الكاهنة وقتلها وملك جبل أوراس وما إليه ودوخ نواحيه وانصرف إلى القيروان وأمن البربر وكتب الخراج عليهم وعلى من معهم من الروم والفرنج على أن يكون معه اثنا عشر ألفا من البربر لا يفارقونه في مواطن جهاده ورجع إلـى عبـد الملـك واستخلف على إفريقية رجلا اسمه صالح من جنده.
ولمـا ولـي الوليـد بـن عبـد الملـك كتـب إلـى عمـه عبـد الله وهو على مصر - ويقال عبد العزيز - أن يبعث بموسى بن نصير إلى إفريقية وكان أبوه نصير من حرس معاوية فبعثه عبد الله وقدم القيروان وبها صالح خليفة حسان فعقد له ورأى البربر قد طمعوا في البلاد فوجه البعوث في النواحـي وبعـث ابنـه عبـد اللـه فـي البحـر إلـى جزيـرة ميورقـة فغنـم منهـا وسبـى وعاد. ثم بعثه إلى ناحيـة أخـرى وابنـه مـروان كذلـك وتوجـه هـو إلـى ناحية فغنم منها وسبى. وعاد وبلغ الخمس من المغنم سبعين ألف رأس من السبي. ثم غزا طنجة له وافتتح درعة لسلطانه ودولته وأخذ رهائـن المصامـدة وأنزلهـم بطنجـة وذلك سنة ثمان وثمانين وولى عليها طارق بن زياد الليثي. ثم أجـاز طـارق إلـى الأندلـس دعـاه إليهـا بلبـان ملـك غمارة فكان فتح الأندلس سنة تسعين. وأجاز موسـى بـن نصيـر علـى أتـره فكمـل فتحهـا كمـا ذكرنـاه. ثـم قفل موسى إلى الشرق واستخلف على إفريقية ابنه عبد الله وعلى الأندلـس عبـد العزيـز وهلـك الوليـد وولـي سليمـان سنـة سـت وتسعين فسخط موسى وحبسه. محمد بن يزيد ولما ولي سليمان وحبس موسى بن نصير عن ابنه عبد الله عن إفريقية ولى مكانه محمداً بن يزيد مولى قريش فلم يزل عليها حتى مات سليمان.
ولما مات سليمان استعمل عمر بن عبد العزيز على إفريقية إسماعيل بن عبد الله بن أبي المهاجر وكان حسن السيرة وأسلم جميع البربر في أيامه. يزيد بن أبي مسلم ولما تولى يزيد بن عبد الملك ولي على إفريقية يزيد بن أبي مسلم مولى الحجاج وكاتبه فقدم سنة إحدى ومائة وأساء السيرة في البربر ووضع الجزية على من أسلم من أهل الذمة منهم تأسيـا بمـا فعلـه الحجـاج بالعـراق فقتلـه البربـر لشهـر مـن ولايتـه. ورجعـوا إلى محمد بن يزيد مولى من الأنصـار الذيـن كـان عليهـم قبـل إسماعيل وكتبوا إلى يزيد بالطاعة والعذر عن قتل ابن أبي مسلم بشر بن صفوان الكلبي: ثم ولى يزيد على إفريقية بشر بن صفوان الكلبي فقدمها سنة ثلاث ومائة فمهدها وسكن أرجاءها وغزا بنفسه صقلية سنة تسع وهلك مرجعه عنها.
ثم عزل هشام بن عبد الملك بشر بن صفوان عن إفريقية وولى مكانه عبيدة بن عبد الرحمن السلمي وهو ابن أخي أبي الأعور فقدمها سنة عشر. عبيدة الله بن الحبحاب ثـم عـزل هشـام عبيـدة بـن عبـد الرحمـن وولـى مكانـه عبيـد اللـه بن الحبحاب مولى بني سلول وكان والياً على مصر فأمره أن يمضي إلى إفريقية واستخلف على مصر ابنه أبا القاسم وسار إلى إفريقية فقدمها سنة أربع عشرة وبنى جامع تونس واتخذ لهـا دار الصناعـة لإنشـاء المراكـب البحرية. وبعث إلى طنجة ابنه إسماعيل وجعل معه عمر بن عبيد الله المرادي. وبعث على الأندلـس عقبـة بـن حجـاج القيسـي. وبعث حبيب بن عبيدة بن عقبة بن نافع غازيا إلى المغرب فبلغ السوس الأقصى وأرض السودان وأصاب من مغانم الذهب والفضة والسبي كثيرا ودوخ بلـاد المغـرب وقبائـل البربـر ورجـع. ثـم أغـزاه ثانيـة فـي البحـر إلى صقلية سنة اثنتين وعشرين ومعه عبد الرحمن بن حبيب فنازل سرقوسة أعظم مدائن صقلية وضرب عليهم الجزية وأثخن في سائـر الجزيـرة. وكان محمد بن عبيد الله بطنجة قد أساء السيرة في البربر وأراد أن يخمس من أسلم منهم وزعم أنه الفيء فأجمعوا الانتقاض وبلغهم مسير العساكر مع حبيب بن أبي عبيدة إلـى صقليـة فسـار ميسرة المظفري بدعوة الصفرية من الخوارج وزحف إلى طنجة فقتل عمر بن عبيـد الله وملكها واتبعه البربر وبايعوه بالخلافة وخاطبوه بأمير المؤمنين وفشت مقالته في سائر القبائـل بإفريقيـة. وبعث ابن الحبحاب إليه خالد بن حبيب الفهري فيمن بقي معه من العساكر. واستقدم حبيب بن أبي عبيدة من صقلية ومن معه من العساكر وبعثه في أثر خالد ولقيهم ميسـرة والبربـر بناحية طنجة فاقتتلا قتالا شديداً. ثم تحاجزوا ورجع ميسرة إلى طنجة فكره البربر سوء سيرته فقتلوه وولوا عليهم مكانه خالد بن حبيب الزناتي. واجتمع إليه البربر ولقيه خالـد ابن حبيب في العرب وعساكر هشام فانهزموا وقتل خالد بن حبيب وجماعة من العرب وسميـت بهـم غـزوة الأشـراف وانتقضـت إفريقية على ابن الحبحاب وبلغ الخبر إلى الأندلس فعزلوا عامله عقبة بن الحجاج وولوا عبد الملك بن قطن كما مر.
ولمـا انتهـى الخبـر إلـى هشام بن عبد الملك بهزيمة العساكر بالمغرب إستنقص ابن الحبحاب وكتب إليـه يستقدمـه وولـى علـى إفريقيـة سنـة ثلـاث وعشريـن كلثوم بن عياض وعلى مقدمته بلخ بن بشر القشيـري فأسـاء إلـى أهل القيروان فشكوا إلى حبيب بن أبي عبيدة وهو بتلمسان موافق للبربر فكتب إلى كلثوم بن عياض ينهاه ويتهدده فاعتذر وأغضى له عنها ثم سار واستخلف على القيروان عبد الرحمن بن عقبة ومر على طريق سبيبة وانتهى إلى تلمسان ولقي حبيب بن عبيـدة واقتتـلا ثم اتفقا ورجعا جميعاً. وزحف البرابرة إليهم على وادي طنجة وهو وادي سوا فانهزم بلخ في الطلائع وانتهوا إلى كلثوم فانكشف واشتد القتال. وقتل كلثوم وحبيب بن أبي عبيـدة وكثيـر مـن الجنـد. وتحيـز أهـل الشـام إلـى سبتـة مـع بلخ بن بشر فحاصرهم البرابرة وأرسلوا إلـى عبـد الملـك بـن قطـن أميـر الأندلـس فـي أن يجيـزوا إليـه فأجابهم إلى ذلك بشرط أن يقيموا سنة واحدة. وأخذ رهنهم على ذلك وانقضت السنة وطالبهم بالشرط فقتلوه وملك بلخ الأندلس. وكـان عبـد الرحمـن بـن حبيـب بـن عبيـدة بـن عقبـة بـن نافع لما قتل أبوه حبيب مع كلثوم بن عياض وأجاز بلخ إلى الأندلس فملكها فأجاز عبد الرحمن إلى الأندلس يحاول ملكها. فلما جاء أبو الخطار إلى الأندلس من قبل حنظلة أيس عبد الرحمن من أمرها ورجع إلى تونس سنة ست وعشرين وقد توفي هشام وولي الوليد بن يزيد فدعا لنفسه وسار إلى القيروان ومنع حنظلة من قتاله وبعث إليه وجوه الجند فانتهز عبد الرحمن الفرصة فيهم وأوثقهم لئلا يقاتله أصحابهم وأغذ السير إلى القيروان فرحل حنظلة من إفريقية وقفل إلى المشرق سنة سبع وعشرين. واستقل عبد الرحمن بملك إفريقية وولى مروان بن محمد فكتب له بولايتها ثم ثـارت عليـه الخوارج في كل جهة فكان عمر بن عطاب الأزدي بطبنياش وعروة بن الوليد الصفري بتونس وثابت الصنهاجي بباجة وعبد الجبار بن الحارث بطرابلس على رأي الاباضية فزحف عبد الرحمن إليهما سنة إحدى وثلاثين فظفر بهما وقتلهما وسرح أخاه إلياس لابن عطاب فهزمه وقتله. ثم زحف إلى عروة بتونس فقتله وانقطع أمر الخوارج. وزحف سنة خمس وثلاثين إلى جموع من البربر بنواحي تلمسان فظفر بهم وقفل. ثم بعث جيشاً فـي البحـر إلـى صقليـة وآخـر إلـى سردانيـة فأثخنـوا فـي أمـم الفرنـج حتـى استقـروا بالجـزاء. ثـم دالـت دولـة بنـي العبـاس وبعـث عبـد الرحمـن بطاعتـه إلـى السفـاح ثـم إلـى أبـي جعفـر مـن بعد. ولحق كثير من بني أمية إلى إفريقية. وكان ممن قدم عليه القاضي وعبد المؤمن ابنا الوليد بن يزيد ومعهمـا ابنـة عـم لهمـا فزوجهـا عبـد الرحمـن مـن أخيـه إليـاس. ثـم بلـغ عبـد الرحمـن عنهما السعي في الخلافة فقتلهما وامتعضت لذلك ابنه عمهما فأغرت زوجها بأخيه عبد الرحمن واستفسدته. وكان عبد الرحمن قد أرسل إلى أبي جعفر بهدية قليلة وذهب يعتذر عنها فلم يحسن العذر وأفحش في الخطاب فكتب إليه المنصور يتهدده وبعث إليه بالخلعة فانتقض هو ومزق خلعته علـى المنبـر فوجـد أخـوه اليـاس بذلـك السبيـل إلـى مـا كـان يحـاول عليـه وداخل وجوها من الجند في الفتك بعبد الرحمن وإعادة الدعوة للمنصور ومالأه في ذلك أخوه عبد الـوارث وفطـن عبـد الرحمـن لهمـا فأمـر اليـاس بالمسيـر إلى تونس وجاء ليودعه ومعه أخوه عبد الوارث فقتلاه في آخر سبع وثلاثين لعشر سنين من إمارته. حبيب بن عبد الرحمن ولمـا قتـل عبـد الرحمن نجا ابنه حبيب إلى تونس فلحق به بعد أن طلبوه وضبطوا أبواب القصر ليأخذوه فلم يظفروا به. وكان عمه عمران بن حبيب بتونس فلحق به واتبعه الياس فاقتتلوا ملياً ثم اصطلحوا على أن يكون لحبيب قفصة وقصطيلة ونغراوة ولعمران تونس وصطغـورة وهـي تبـرزو والجزيـرة ولإليـاس سائر إفريقية. وتم هذا الصلح سنة ثمان وثلاثين. وسار حبيب إلـى عملـه ببلـاد الجريـد وسار إلياس مع أخيه عمران إلى تونس فغدر بعمران وقتله وجماعة من الأشراف معه وعاد إلى القيروان. وبعث بطاعته إلى أبي جعفر المنصور مع عبد الرحمن بن زياد بن أنعم قاضي إفريقية. ثم سار حبيب إلى تونس فملكهـا وجـاءه عمـه اليـاس فقاتلـه وخالفـه حبيـب إلـى القيـروان فدخلهـا وفتـق السجـون فرجـع اليـاس فـي طلبـه وفارقه أكثر أصحابه إلى حبيب فلما تواقفا دعاه حبيب إلى البراز فتبارزا وقتله حبيب ودخل القيروان وملكها آخر سنة ثمان وثلاثين ونجا عمه الأخر عبد الوارث إلى وربجومة من قبائل البربر وكبيرهم يومئذ عاصم بن جميل وكان كاهنا ويدعي النبوة فأجار عبد الوارث وقاتلهم حبيب فهزموه إلى قابس. واستفحل أمرهم وكتب من كان بالقيروان من العرب إلى عاصم بن جميل يدعونه للولاية عليهم واستخلفوه على الحمايـة والدعـاء للمنصـور فلـم يجـب إلـى ذلـك وقاتلهـم فهزمهم واستباح القيروان وضرب المساجد واستهانها. ثم سار إلى حبيب بن عبد الرحمن بقابس فقاتله وهزمه ولحق حبيب بجبل أوراس فأجاره أهله وجاء عاصم فقاتلهم فهزموه وقتل جماعة من أصحابه. وقام بأمر وربجومة والقيروان من بعده عبد الملك وقتله سنة أربعين ومائة. وكانت إمارة الياس على إفريقية سنة ونصفا وإمارة حبيب ثلاث سنين. عبد الملك بن أبي الجعد الوربجومي ولمـا قتـل عبـد الملـك بـن أبـي الجعـد حبيب بن عبد الرحمن رجع في قبائل وربجومة إلى القيروان وملكها واستولت وربجومة على إفريقية وساروا في أهل القيروان بالعسف والظلم كما كان عاصـم وأسـوأ منـه. وافتـرق أهـل القيـروان بالنواحـي فـرارا بأنفسهـم وشـاع خبرهـم فـي الآفـاق فخـرج بنواحي طرابلس عبد الأعلـى بـن السمـح المغافـري الاباضـي منكـرا لذلـك وقصـد طرابلـس عبد الأعلى أبو السمح المغافري ولما ملك عبد الأعلى مدينة طرابلس بعث عبد الملك بن أبي الجعد العساكر لقتالـه سنـة إحدى وأربعين فلقيهم أبو الخطاب وهزمهم وأثخن فيهم واتبعهم إلى القيروان فملكها وأخرج وربجومة منها واستخلف عليها عبد الرحمن بن رستـم وسـار إلـى طرابلـس للقـاء العساكـر القاعدة من ناحية أبي جعفر. محمد بن الأشعث الخزاعي كان أبو جعفر المنصور لما وقع بإفريقية ما وقع من الفتنة وملك قبائل وربجومة القيروان وفد عليه زجالات من جند إفريقية يشكون ما نزل بهم من وربجومة ويستصرخونه فولى على مصر وإفريقية محمد بن الأشعث الخزاعي فنزل مصر وبعث على إفريقية أبا الأحـوص عمـرو بـن الأحوص العجلي. وسار في مقدمته فلقيه أبو الخطاب عبد الأعلى بسرت ودهمه بالعساكر ومعهـم الأغلب بن سالم بن عقال بن خفاجة بن سوادة التميمي فسار لذلك ولقي أبا الخطاب بسرت ثانية فانهزم أبو الخطاب وقتل عامة أصحابه وذلك سنة أربع وأربعين. وبلـغ الخبـر إلـى عبـد الرحمن بن رستم بالقيروان ففر عنها إلى تاهرت وبنى هنالك مدينة ونزلها وقام ابن الأشعث فافتتح طرابلس واستعمل عليها المخارق غفاراً الطائي وقام بأمر إفريقية وضبطهـا. وولـى علـى طبنـة والـزاب الأغلـب بـن سالـم. ثـم ثـارت عليـه المضريـة وأخرجـوه سنـة ثمـان وأربعيـن فقفـل إلـى المشـرق الأغلـب بـن سالـم. ولمـا قفـل بـن الأشعـث إلـى المشرق ولى على المضرية عيسى بن موسى الخراساني فبعث أبو جعفر المنصور الأغلب بن سالم بن عقال بن خفاجة التميمـي بعـده علـى إفريقيـة وكـان من أصحاب أبي مسلم بخراسان. وقدم مع ابن الأشعث فولاه علـى الـزاب وطبنـة فقـدم القيروان وسكن الناس. ثم خرج عليه أبو قرة اليفرني في جموع البربر فهـرب وسكـن فأبى عليه الجند وخلعوه. وكان الحسن بن حرب الكندي بقابس فكاتب الجند وثبطهـم عن الأغلب فلحقوا به وأقبل بهم إلى القيروان فملكها ولحق الأغلب بقابس. ثم رجع إلى إقبال الحسن بن حرب سنة خمسين فهزمه وسار إلى القيروان فكر عليه الحسن دونها واقتتلوا وأصاب الأغلب سهم فقتله. وقدم أصحابه عليهم المغافر بن غفار الطائي الذي كان علـى طرابلـس وحملـوا علـى الحسن فانهزم أمامهم إلى تونس: ثم لحق بكتامة وخيل المخارق في أتباعه. ثم رجع إلى تونس بعد شهرين فقتله الجند وقيل أصحاب الأغلب قتلوه في الموقف الذي قتل فيه الأغلب وقام بأمر إفريقية المخارق بن غفار إلى أن كان ما نذكره.
ولـم بلـغ أبـا جعفـر المنصور قتل الأغلب بن سالم بعث على إفريقية مكانه عمر بن حفص هزار مـرد من ولد قبيصة بن أبي صفرة أخي المهلب فقدمها سنة إحدى وخمسين فاستقامت أموره ثلـاث سنيـن. ثـم سـار لبنـاء السـور علـى مدينة طبنة واستخلف على القيروان أبا حازم حبيب بن حبيب المهدي فلما توجه لذلك ثار البربر بإفريقية وغلبوا على من كان بها وزحفوا إلى القيـروان وقاتلـوا أبـا حـازم فقتلـوه واجتمـع البربـر الأباضيـة بطرابلـس وولـوا عليهم أبا حاتم يعقوب بن حبيـب الأباضـي مولـى كنـدة وكـان علـى طرابلـس الجنيـد بـن بشـار الأسـدي مـن قبـل عمـر بن حفص فأمده بالعساكر وقاتلوا أبا حازم فهزمهم وحصرهم بقابس وانقضت إفريقية من كل ناحية. ثم ثاروا فـي عسكـر إلـى طبنـة وحاصـروا بهـا عمـر بـن حفـص فيهـم أبـو قـرة اليعقوبـي فـي أربعيـن ألفـا من الصفرية وعبد الرحمن بن رستم في خمسة عشر ألفاً من الاباضية جاؤوا معه والمسور الزناتـي فـي عشـرة آلـاف من الاباضية وأمم من الخوارج من صنهاجة وزناتة وهوارة ما لا يحصى فدافعهـم عمـر بـن حفـص بالأمـوال وفرق كلمتهم وبذل لأصحاب أبي قرة مالاً فانصرفوا. واضطر أبو قرة لأتباعهم فبعـث عمـر جيشـا إلـى ابـن رستـم وهـو بتهـودا فانهـزم إلـى تاهـرت وضعـف الأباضيـة عن حصار طبنة فافرجوا عنها وسار حاتم إلـى القيـروان وحاصرهـا ثمانيـة أشهـر واشتـد حصارهـا. وسـار عمـر بـن حفـص وجهـز العساكـر لطبنـة فخالفـه أبـو قـرة إلـى طبنـة فهزمـوه. وبلغ أبا حاتـم وأصحابـه وهـو القيـروان مسيـر عمـر بـن حفـص إليهـم فسـاروا للقائه فمال هو من الأربس إلى تونس ثم جاء إلى القيروان فدخلها واستعد للحصار واتبعه أبو حاتم والبربر فحاصروه إلى جهده الحصار وخرج لقتالهم مستميتا فقتل آخر سنة أربع وخمسين وولي مكانه أخوه لأمه حميد بن صخر فوادع أبا حاتم على أنه يقيم دعوة العباسية بالقيروان وخرج أكثر الجند إلى طبنة وأحرق أبو حاتم أبواب القيروان وثلم سورها.
ولما بلغ المنصور انتقاض إفريقية على عمر بن حفص وحصاره بطبنة بالقيروان بعث إليه يزيد بن أبي حاتـم بـن قبيصـة بـن المهلـب بـن أبـي صفـرة فـي ستيـن ألـف مقاتـل. وبلـغ خبـره عمـر بـن حفـص فحمله ذلك على الاستماتة حتى قتل وسار يزيد بن حاتم فقدم عليها وأبو حاتم يعقوب بن حبيب مستول عليها فسار طرابلس للقائه واستخلف على القيروان عمر بن عثمان الفهري فانتقض وقت أصحابه وخرج المخارق بن غفار فرجع إليهما أبو حاتم ففرا من القيروان ولحقا بجيجل من سواحل كتامة فتركهما واستخلف على القيروان عبـد العزيـز بـن السبـع المغافـري وسار للقاء يزيد. وسار يزيد إلى طرابلس فلحق أبو حاتم بجبال نفوسه واتبعته عساكر يزيد فهزمهـم فسـار إليـه يزيـد بنفسـه. وقاتلـه قتـالا شديـدا فانهـزم البربـر وقتـل أبـو حاتـم فـي ثلاثيـن ألفـا من أصحابـه وتتبعهـم يزيـد بالقتـل بثـأر عمـر بـن حفـص. ثـم ارتحل إلى القيروان فدخلها منتصف سنة خمس وخمسين. وكان عبد الرحمن بن حبيب بن عبد الرحمن الفهري مع أبي حاتم فلحق بكتامة وبعث يزيد في طلبه فحاصروهم ثم ظفروا بهم. وهرب عبد الرحمن وقتل جميع من كـان معـه وبعـث يزيـد المخـارق بـن غفار على الزاب ونزل طبنة وأثخن في البربر في وقائع كثيرة مـع وربجومـة وغيرهـم إلـى أن هلـك يزيد سنة سبعين ومائة في خلافة هارون الرشيد بأمره ابنه داود فخرج عليه البربر وأوقع بهم ورجع إلى القيروان إلى أن كان من أمم ما نذكر. أخوه روح بن حاتم ولم بلغ الرشيد وفاة يزيد بن حاتم وكان أخوه روح على فلسطين استقدمه وعزاه في أخيه وولاه على إفريقية فقدمها منتصف إحدى وسبعين. وسار داود ابن أخيه يزيد إلى الرشيد. وكان يزيد قد أذل الخوارج ومهد البلاد فكانـت ساكنـة أيـام روح ورغـب فـي موادعـة عبـد الوهاب بن رستم وكان من الوهبية فوادعه. ثم هلك روح في رمضان سنة أربع وسبعين وكـان الرشيـد قـد بعـث بعهـده سراً إلى نصر بن حبيب من قرابتهم فقام بالأمر بعد روح إلى أن ولي الفضل. أبنه الفضل بن روح ولما توفي روح بن حاتم قام حبيب بن نصر مكانه وسار ابنه الفضل إلى الرشيد فولاه على إفريقيـة مكـان أبيـه فعـاد إلـى القيـروان فـي محـرم سنـة سبـع وسبعيـن واستعمـل علـى تونـس المغيرة ابن أخيه بشر بن روح وكان غلاما غراً فاستخف بالجند واستوحشوا من الفضل لما أساء فيهم السيرة وأخذهم بموالاة حبيب بن نصر فاستعفى أهل تونس من المغيرة فلم يعفهم فانتقضوا وقدموا عليهم عبد الله بن الجارود ويعرف بعبد ربه الأنباري وبايعوه على الطاعة وأخرجوا المغيـرة وكتبـوا إلـى الفضـل أن يولـي عليهم من أراد فولى عليهم ابن عمه عبد الله بن يزيد بن أبي حاتم وسار إلى تونس. ولما قاربها بعث ابن الجارود جماعة لتلقيه واستفهامه في أي شيء جاء فعدوا عليه وقتلوه افتئاتاً بذلك على ابن الجارود واضطر إلى إظهار الخلاف وتولى كبر ذلـك محمـد بـن الفارسي من قواد الخراسانية وكتب إلى القود والعمال في النواحي واستفسدهم على الفضل. وكثر جموع ابن الجارود وخرج الفضل فانهزم واتبعه ابن الجارود واقتحم عليه القيروان. ووكل به وبأهله من يوصلهم إلى قابس. ثم رده من طريقه وقتلـه منتصـف ثمـان وسبعين. ورجع ابن الجارود إلى تونس وامتعض لقتل الفضل جماعة من الجند وفي مقدمتهم مالك بن المنذر ووثبوا بالقيروان فملكوها وسار إليهم ابن الجارود من تونـس فقتلهـم وقتـل مالك بن المنذر وجماعة من أعيانهم ولحق فلهم بالأندلس فقدموا عليهم الصلت بـن سعيـد وعادوا إلى القيروان واضطربت إفريقية. ولما بلغ الرشيد مقتل الفضل بن روح وما وقع بإفريقية من الإضطراب ولى مكانه خزيمة بن أعين وبعث إلى ابن الجارود يحيى بن موسى لمحله عند أهل خراسان. ويقـال يقطيـن يرغبـه فـي الطاعـة فأجابـه بشـرط الفـراغ مـن العـلاء بـن سعيـد. وعلم يقطين أنه يغالطه فداخل صاحبه محمد بن الفارسي واستماله فنزع عن ابن الجارود. وخرج ابن الجارود من القيروان فراراً من العلاء في محرم سنة تسع وسبعين لسبعة أشهر من ولايته وسار للقاء ابن الفارسـي من القيروان وتزاحفا للقتال فدعا ابن الجارود ابن الفارسي إلى خلوة وقد دس رجلا مـن أصحابـه يغتالـه فـي خلوتهمـا فقتلـه وانهـزم أصحابـه وسابـق العـلاء بـن سعيـد ويقطيـن إلـى القيروان فسبـق إليهـا العـلاء وملكهـا وفتـك في أصحاب ابن الجارود. ولحق ابن الجارود بهرثمة فبعث به إلى الرشيد وكتب إليه أن العلاء بن سعيد هو الذي أخرجه من القيروان فأمره بأن يبعث بالعلاء فبعث به مع يقطين فاعتقل ابن الجارود وأحسن إلى العلاء إلى أن توفي بمصر. وسـار هرثمة إلى القيروان فقدمها سنة سبع وسبعين فأمن الناس وسكنهم وبنى القصر الكبير بالمنستيـر لسنـة عـن قدومـه وبنى السور على طرابلس مما يلي البحر. وكان إبراهيم بن الأغلب عاملا على الزاب وطبنة فهاداه ولاطفه فعقد له على عمله فقام بأمره وحسن أثره. ثم خرج عليـه عيـاض بـن وهـب الهواري وكليب بن جميع الكلبي وجمعا الجموع فسرح هرثمة إليهما يحيى بن موسى عن قواد الخراسانية ففرق جموعهما وقتل كثيرا من أصحابهما ورجع إلى القيروان. ولما رأى هرثمة كثرة الثوار والخلاف بإفريقية استعفى الرشيد من ولايتها فأعفـاه ورجـع إلـى العراق لسنتين ونصف من ولايته. محمد في مقاتل الكعبي ثـم بعـث الرشيـد على إفريقية محمد بن مقاتل الكعبي وكان صنيعته فقدم القيروان في رمضان سنـة إحـدى وثمانيـن فكـان سيـئ السيـرة فاختلف عليه الجند وقدموا مخلد بن مرة الأزدي فبعث إليـه العساكـر فهزم وقتل. ثم خرج عليه بتونس تمام بن تميم التميمي سنة ثلاث وثمانين واجتمع إليـه النـاس وسار إلى القيروان فخرج إليه محمد بن مقاتل ولقيه فانهزم أمامه ورجع إلى القيروان وتمـام فـي أتباعـه إلـى أن دخـل عليـه القيـروان وأمنـه تمـام علي أن يخرج عن إفريقية فسار محمد إلى طرابلس وبلغ الخبر إلى إبراهيم بن الأغلب بمكانه من الزاب فانتقض لمحمد وسار بجموعه إلى القيـروان وهرب تمام بين يديه إلى تونس وملك القيروان. واستقدم محمد بن مقاتل من طرابلس وأعـاده إلـى إمارتـه بالقيـروان آخـر ثلـاث وثمانيـن وزحـف تمام لقتالهم فخرج إليه إبراهيم بن الأغلب بأصحابه فهزمه وسار في أتباعه إلى تونس. واستأمن له تمام فأمنه وجاء به إلى القيروان وبعث به إلى بغداد فاعتقله الرشيد. ولما استوثق الأمر لمحمد بن مقاتل كره أهل البلاد ولايته وداخلوا إبراهيم بن الأغلب في أن يطلب من الرشيد الولاية عليهم فكتب إبراهيم إلى الرشيد في ذلك على أن يترك المائة ألف دينـار التـي كانـت من مصر إلى إفريقية وعلى أن يحمل هو من إفريقية أربعين ألفا. وبلغ الرشيد غناءه في ذلك واستشار فيه أصحابه فأشار هرثمة بولايته فكتب له بالعهـد إلـى إفريقيـة منتصـف أربـع وثمانيـن فقـام إبراهيـم بالولايـة وضبـط الأمـور. وقفـل ابـن مقاتـل إلـى المشـرق وسكنت البلاد بولاية ابن الأغلب وابتنى مدينة العباسية قرب القيروان وانتقل إليها بجملته. وخرج عليه سنة ست وثمانين بتونس حمديس من رجالات العرب ونزع السواد فسرح إليه ابن الأغلب عمران بن مجالد في العساكر فقاتله وانهزم حمديس وقتل من أصحابه نحو عشرة آلاف. ثم صرف همه إلى تمهيد المغرب الأقصى وقد ظهر فيه دعوة العلوية بإدريس بن عبد الله. وتوفي ونصب البرابرة ابنه الأصغر وقام مولـاه راشـد بكفالتـه وكبـر إدريـس واستفحـل أمـره براشد فلم يزل إبراهيم يدس إلى البربر ويسرب فيهم الأموال حتى قتل راشد وسيق رأسه إليـه. ثـم قـام بأمـر إدريـس بعده بهلول عبد الرحمن المظفر من رؤس البربر فاستفحل أمره فلم يزل إبراهيـم يتلطفـه ويستميلـه بالكتب والهدايا إلى أن انحرف عن دعوة الأدارسة إلى دعوة العباسية فصالحـه إدريـس وكتـب إليـه يستعطفـه بقرابتـه مـن رسـول اللـه صلـى الله عليه وسلم كف عنه. ثم خالف أهل طرابلس على إبراهيم بن الأغلب سنة تسع وثمانين وثاروا بعاملهم سفيان بن المهاجر وأخرجوه من داره إلى المسجد وقتلوا عامـة أصحابـه. ثـم أمنـوه علـى أن يخـرج مـن طرابلـس فخـرج سفيـان لشهـر مـن ولايتـه واستعملـوا عليهـم إبراهيم بن سفيان التميمي فبعث إليهم إبراهيم بن الأغلب العساكر وهزمهم ودخل طرابلس عسكره. ثم استحضر إبراهيم الذين تولوا كبر ذلك فحضروا في ذي الحجة آخر السنة وعفا عنهم وأعادهـم إلـى بلدهـم. ثـم انتقـض عمـران بـن مجالـد الربعـي سنـة خمـس وتسعين على ابن الأغلب. وكان بتونس واجتمع معه على ذلك قريش بن التونسي وكثرت جموعهما. وسار عمران إلى القيروان فملكها وقدم عليه قريش من تونس وخندق إبراهيم على نفسه بالعباسية فحاصروه سنـة كاملـة كانـت بينـه وبينهـم حـروب كـان الظفـر فـي آخرهـا لابـن الأغلـب. وكـان عمران يبعث إلى أسد بن الفرات القاضي في الخروج إليهم وامتنع. ثـم بعـث الرشيـد إلـى إبراهيم بالمال فنادى في الناس بالعطاء ولحق به أصحاب عمران وانتقض أمره ولحق بالزاب فأقـام بـه إلـى أن توفـي ابـن الأغلـب. ثـم بعـث إبراهيـم علـى طرابلـس ابنـه عبـد اللـه سنة ست وتسعين فثار عليه الجند وحاصروه بداره. ثم أمنوه على أن يخرج عنهم فخرج واجتمع إليه الناس وبذل العطاء وأتاه البربر من كل ناحية. وزحف إلى طرابلس فهزم جندها ودخل المدينة. ثم عزله أبوه وولى سفيان بن المضاء فثارت هوارة بطرابلس وهجم الجند فلحقوا بإبراهيم بن الأغلب وأعاد معهم ابنه عبد الله في ثلاثة عشر ألفا من العساكر ففتك بهـوارة وأثخـن فيهـم وجـدد سـور طرابلـس. وبلـغ الخبـر إلـى عبـد الوهـاب بـن عبـد الرحمـن بـن رستـم فجمع البربر وجاء إلى طرابلس فحاصرها وسد عبد الوهاب باب زناتة وكان يقاتل من باب هـوارة. ثم جاءه الخبر بوفاة أبيه فصالحهم على أن يكون البلد والبحر لعبد الله وأعمالها لعبد الوهاب وسار إلى القيروان. وكانت وفاة إبراهيم في شوال سنة ست وتسعين. ابنه أبو العباس عبد الله ولما توفي إبراهيم بن الأغلب عهد لابنه عبد الله وكان غائبا بطرابلس والبربر يحاصرونه كما ذكرناه وأوصى ابنه الآخر زيادة الله أن يبايع له بالإمارة ففعـل وأخـذ لـه البيعـة علـى النـاس بالقيـروان. وكتـب إليـه بذلـك فقـدم أبـو العبـاس عبـد اللـه فـي صفـر سنـة سبـع وتسعيـن ولم يرع حق أخيه فيما فعله. وكان ينتقصـه ولـم يكـن فـي أيامـه فتنـة بمـا مهـد لـه أبـوه الأمـر. وكـان حائـراً حتـى قيـل أن مهلكـه كـان بدعـوة حفـص بـن حميـد مـن الأوليـاء الصالحيـن من أهل حمود ومهريك وفد عليه في جماعـة مـن الصالحيـن يشكـو ظلامـة فلـم يصـغ إليهـم فخرج حفص يدعو عليه وهم يؤمنون فأصابته قرحة في أذنه عن قريب هلك منها في ذي الحجة سنة إحدى ومائتين لخمس سنين من ولايته. ولمـا توفي أبو العباس ولي مكانه أخوه زيادة الله وجاءه التقليد من قبل المأمون وكتب إليه يأمره بالدعاء لعبد الله بن طاهر على منابره فغضب من ذلك وبعث مع الرسول بدنانير من سكة الادارسـة يعـرض لـه بتحويـل الدعـوة. ثـم استأذنـه قرابته في الحج وهم أخوه الأغلب وأبناء أخيه أبي العباس محمد وأبو محمد بهر وإبراهيم أبو الأغلب. فأذن لهم وانطلقوا لقضـاء فرضهـم فقضـوه وأقامـوا بمصـر حتـى وقعـت بين زيادة الله وبين الجند الحروب فاستقدمهم واستوزر أخاه والأغلب وهاجت الفتن. واستولى كل رئيس بناحية فملكوها عليه كلها وزحفوا إلى القيروان فحصـروه. وكـان فاتحـة الخلـاف زيـاد بـن سهـل بن الصقلية خرج سنة سبع ومائتين وجمع وحاصر مدينة باجة فسرح إليه العساكر فهزموه وقتلوا أصحابه. ثم انتقض منصـور الترمـذي بطبنـة وسار إلى تونس فملكها وكان العامل عليها إسماعيل بن سفيان وسفيان أخو الأغلب فقتله لتستخلص له طاعة الجند. وسـرح زيـادة الله العساكر من القيروان مع غلبون ابن عمه ووزيره اسمه الأغلب بن عبد الله بن الأغلب وتهددهم بالقتل إن انهزموا فهزمهم منصور وخشوا على أنفسهم ففارقوا الوزير غلبون وافترقوا على إفريقية واستولوا على باجة والجزيرة وصطفورة والاربس وغيرها. واضطربت إفريقية ثم اجتمعوا إلى منصور وسار بهم إلى القيروان فملكها وحاصره في العباسية أربعين يوما وعمروا سور القيروان الذي خربه إبراهيم بن الأغلب. ثم خرج إليه زيادة الله فقاتله فهزمه ولحق بتونس. وخرب زيادة الله سور القيروان. ولحق قواد الجند بالبلاد التي تغلبوا عليهـا. فلحـق منهـم عامـر بـن نافـع الـأزرق بسبيبـة. وسـرح زيـادة اللـه سنـة تسـع ومائتيـن عسكـراً مع محمد بن عبد الله بن الأغلب فهزمهم عامر وعادوا ورجع منصور إلى تونس. ولم يبق على طاعة زيادة الله من إفريقية إلا تونس والساحل وطرابلس ونفزاوة. وبعث الجند إلى زيادة الله بالأمان وأن يرتحل عن إفريقية وبلغه أن عامر بن نافع يريد نفزاوة وأن برابرتها دعوه فسرح إليهم ماشي مقاتل لمنع عامر بن نافع فرجع عامراً عنها وهزمه إلى قسطيلة ورجع. ثم هرب عنها واستولى سفيان على قسطيلة وضبطها. وذلك سنة تسع ومائتين. واسترجع زيادة الله قسطيلة والزاب وطرابلس واستقام أمره. ثم وقعت الفتنة بين منصـور الطبنـدي وبيـن عامـر بـن نافـع لـأن منصوراً كان يحسده ويضغن عليه فاستمال عامر الجند وحاصـره بقصره بطبندة حتى استأمن إليه على أن يركب إلى الشرق. وأجابه إلى ذلك وخرج منصـور مـن طنبـدة منهرمـاً. ثـم رجـع فحاصـره عامـر حتى استأمن إليه ثانيا على يد عبد السلام بن المفرج من قواد الجند وأخذ له الأمان من عامر على أن يركب البحر إلى المشرق فأجابه عامـر وبعثـه مـع ثقاتـه إلـى تونس وأوصى ابنه. وكان يغريه أن يقتله إذا مر به فقتله وبعث برأسه وأقـام عامـر بـن نافـع بمدينـة تونـس إلـى أن توفي سنة أربـع عشـرة. ورجـع عبـد السلـام بن المفرج إلى باجـة فأقـام بهـا إلـى أن انتقـض فضـل بـن أبـي العيـن بجزيـرة شريـك سنـة ثمـان عشـرة ومائتيـن فسـار إليه عبد السلام بن المفرج الربعي وجاءت عساكر زيادة الله فقاتلوهما وقتل عبد السلام. وانهزم فضل إلى مدينة تونس وامتنع بها وحاصرته العساكر حتى اقتحموها عليه وقتلوا كثيرا من أهلها وهرب آخرون حتى أمنهم زيادة الله وعادوا. وفي سنة تسع عشرة ومائتين فتح أسد بن الفرات صقلية. كانت صقلية من عمالات الروم وأمرها راجع إلى صاحب قسطنطينية وولي عليها سنة إحدى عشرة ومائتين بطريقاً اسمه قسنطيـل واستعمـل علـى الأسطـول قائـداً مـن الـروم حازماً شجاعاً فغزا سواحل إفريقية وانتهبها. ثم بعد مدة كتب ملك الروم إلى قسنطيل يأمره بالقبض على مقدم الأسطول وقتله. ونمـى الخبر إليه بذلك فانتقض وتعصب له أصحابه وسار إلى مدينة سرقوسة من بلاد صقلية فملكها وقاتله قسنطيل فهزمه القائد ودخل مدينة نطانية فأتبعه جيشا أخذوه وقتلوه واستولى القائد على صقلية فملكها وخوطب بالملك. وولى على ناحية من الجزيرة رجلا اسمه بلاطة وكـان ميخاييـل ابـن عـم بلاطـة علـى مدينـة بليـرم فانتقـض هـو وابـن عمـه على القائد واستولى بلاطة علـى مدينـة سرقوسـة. وركـب القائد في أساطيله إلى إفريقية مستنجداً بزيادة الله فبعث معهم العساكر واستعمل عليهم أسد بن الفرات قاضي القيروان فخرجوا في ربيع سنة اثنتي عشرة فنزلوا بمدينة مأزر وساروا إلى بلاطة ولقيهم القائد وجميع الروم الذين بها استمدهم فهزموا بلاطة والروم الذين معه وغنموا أموالهم. وهـرب بلاطـة إلـى فلونـرة فقتـل واستولـى المسلمـون علـى عـدة حصـون مـن الجزيرة ووصلوا إلى القلعة الكرات وقد اجتمع بها خلق كثير فخادعوا القاضي أسد بن الفرات في المراودة على الصلح وأداء الجزية حتى استعدوا للحصار ثم امتنعوا عليه فحاصرهم وبعث السرايا في كل ناحية وكثرت الغنائـم. وحاصـروا سرقوسـة بـراً وبحـراً وجـاءه المـدد مـن إفريقيـة وحاصـروا بليـرم. وزحف الروم إلى المسلمين وهم يحاصرون سرقوسة قد بعثوهـم واشتـد حصـار المسلميـن بسرقوسة. ثم أصاب معسكرهم الفناء وهلك كثير منهم ومات أسد بن الفرات أميرهم ودفن بمدينة قصريانة ومعهم القائد الذي جاء يستنجدهم فخادعه أهل قصريانة وقتلوه. وجـاء المـدد مـن القسطنطينيـة فتصافـوا مـع المسلميـن وهزموهـم ودخـل فلهم إلى قصريانة. ثم توفي محمـد بـن الحـواري أميـر المسلميـن وولـي بعمـه زهيـر بـن عـوف. ثـم محض الله المسلمين فهزمهم الروم مرات وحصروهم في معسكرهم حتى جهدهم الحصـار وخـرج مـن كـان فـي كبركيـب مـن المسلميـن بعـد أن هدموهـا وسـاروا إلي مأزر. وتعذر عليهم الوصول إلى إخوانهم وأقاموا كذلك إلى سنة أربع عشرة إلى أن أشرفوا على الهلاك فوصلت مراكب إفريقية مدداً وأسطول من الأندلس خرجوا للجهاد. واجتمع منهم ثلاثمائة مركب فنزلوا الجزيرة وأفرج الروم عن حصار المسلميـن وفتـح المسلمـون مدينـة بليـرم بالأمان سنة سبع عشرة. ثم ساروا سنة تسع عشرة إلى مدينة قصريانة وهزموا الروم عليها سنة عشرين. ثم بعثوا إلى طرميس. ثم بع زيادة الله الفضل بن يعقوب في سرية إلى سرقوسة فغنموا. ثم سارت سرية أخرى واعترضها بطريق صقلية فامتنعوا منه في وعر وخمل من الشعراء حتى يئس منهم وانصرف على غير طائل فحمل عليهم أهل السرية وانهزموا وسقط البطريق عن فرسه فطعن وجرح وغنـم المسلمـون مـا معهـم مـن سلـاح ودواب ومتـاع. ثـم جهـز زيـادة الله إلى صقلية إبراهيم بن عبد الله بن الأغلب في العساكر وولاه أميرا عليها فخرج منتصف رمضان وبعث أسطولا فلقي أسطولا للروم فغنمه وقتل من كان فيه. وبعث أسطولا آخر إلى قصورة فلقي أسطولا فغنمه وسـارت سرية إلى جبل النار والحصون التي في نواحيها وكثر السبي بأيدي المسلمين. وبعث الأغلب سنة إحدى وعشرين أسطولا نحو الجزائر فغنموا وعادوا. وبعث سرية إلى قطلبانة وأخرى إلى قصريانة كان فيهما التمحيص على المسلمين ثم كانت وقعة أخرى كان فيها الظفر للمسلميـن. وغنـم مـن أسطولهـم تسـع مراكـب ثـم عثر بعض المسلمين على عورة من قصريانة فدل المسلمين عليها ودخلوا منها البلد وتحصن المشركون بحصنه حتى استأمنوا وشده الله وغنم المسلمون غنائمه وعادوا إلى بليرم إلى أن وصلهم الخبر بوفاة زيادة الله فوهنوا أولاً ثم انشطوا وعادوا لي الصبر والجهاد وكانت وفاة زيادة الله منتصف سنة ثلاث وعشرين ومائتين لإحدى وعشرين سنة ونصف من ولايته. أخوهما أبو عقال الأغلب بن إبراهيم بن الأغلب ولما توفي زيادة الله بن إبراهيم تولى أخوه الأغلب ويكنى أبا عقال فأحسن إلى الجند وأزال المظالـم وزاد العمـال في أرزاقهم وكفهم عن الرعية. وخرج عليه بقسطيلة خوارج زواغة ولواتة ومكناسـة وقتلـوا عاملهـا بهـا وبعـث إليهـم العساكـر فقتلهـم واستأصلهـم. وبعـث سنة أربع وعشريـن سريـة إلـى صقليـة فغنموا وعادوا ظافرين. وفي سنة خمس وعشرين استأمن للمسلمين عـدة حصـون مـن صقليـة فأمنوهـم وفتحوهـا صلحـاً. وسـار أسطـول المسلمين إلى قلورية ففتحوها ولقـوا أسطـول القسطنطينيـة فهزموهـم وفي سنة سـت وعشريـن سـارت سرايـا المسلميـن بصقلية إلى قصريانـة ثـم حصـن القيـروان وأثخنـوا فـي نواحيهـا كمـا نذكـر. ثـم توفـي الأغلـب بـن إبراهيـم في ربيع من سنة ست وعشرين ومائتين لسنتين وسبعة أشهر من إمارته. ابنه أبو العباس محمد بن الأغلب بن إبراهيم ولما توفي أبو عقال الأغلب ولي بعده ابنه أبو العباس ودانت له إفريقية وشيد مدينة بقرب تاهـرت وسماهـا العباسية وذلك سنة سبع وعشرين وأحرقها أفلح بن عبد الوهاب بن رستم. وكتب إلى صاحب الأندلس يتقرب إليه بذلك فبعث إليه بمائة ألف درهم. وفي أيامه ولي سحنـون القضاء سنة أربع وثلاثين بعد عزل ابن الجواد وضربه سحنون فمات ومات سحنون سنـة أربعيـن ومائتيـن وثـار عليـه أخـوه أبـو جعفر وغلبه. ثم اتفقا على أن يستوزره فاستبد عليه وقتل وزارءه ومكث على ذلك. ثم أقام أبو العباس محمد بأمره واستبد سنة ثلاث وأربعين بعد أن استبد لذلك رجالاً وحارب أخوه أبو جعفر فغلبه محمد وانتقض عليه وأخرجه من إفريقية إلى مصر سنة ست وأربعين ومائتين لستة عشر شهراً من ولايته. ابنه أبو إبراهيم أحمد بن أبي العباس محمد لمـا توفـي أبـو العباس محمد بن أبي عقال سنة اثنتين وأربعين ولي مكانه ابنه أبو إبراهيم أحمد فأحسن السيرة وأكثر العطاء للجند وكان مولعاً بالعمارة فبنى بإفريقية نحواً من عشرة آلاف حصن بالحجارة والكلس وأبواب الحديد. واتخذ العبيد جنداً وخرج عليه بناحية طرابلس خوارج من البربر فغلبهم عاملها وهو يومئذ أخوه عبد الله بن محمد بن الأغلب سرح إليهم أخاهمـا زيـادة اللـه يحاربهـم واستلحمهـم وكتـب إلـى أخيـه أبي إبراهيم بالفتح. وفي أيامه افتتحت قصريانـة مـن مـدن صقليـة فـي شوال سنة أربع وأربعين وبعث بفتحها إلى المتوكل وأهدى له من سبيها. ثم توفي إبراهيم هذا سنة تسع وأربعين لثمان سنين من ولايته. ابنه زيادة الله الأصغر بن أبي إبراهيم بن أحمد ولما توفي أبو إبراهيم ولي مكانه ابنه زيادة الله ويعرف بزيادة الله الأصغر فجرى على سنن سلفه ولم تطل أيامه. وتوفي سنة خمسين لحول من ولايته. أخوه أبو الغرانيق بن أبي إبراهيم بن أحمد ولما توفي زيادة الله كما قدمناه ولي مكانه أخوه محمد ويلقب بأبي الغرانيق فغلب عليه اللهو والشـراب. وكانـت فـي أيامـه حـروب وفتـن. وفتـح جزيـرة مالطـة سنـة خمـس وخمسيـن. وتغلـب الـروم على مواضع من جزيرة صقلية وبنى محمد حصوناً ومحارس على ساحل البحر بالمغرب على مسيرة خمسة عشر يوماً من برقة إلى جهة المغرب وهي الآن معروفة. ثم توفي أبو الغرانيق منتصف إحدى وستين لإحدى عشرة سنة من ولايته. بقية أخبار صقلية وفي سنة ثمـان وعشريـن سـار الفضـل بـن جعفـر الهمدانـي فـي البحـر ونـزل مرسـى مسينـة وحاصرها فامتنعـت عليـه وبث السرايا في نواحيها فغنموا. ثم بعث طائفة من عسكره وجاؤوا إلى البلد من وراء جبل مطل عليه وهمك مشغولون بقتاله فانهزموا وأعطوا باليد ففتحها. ثم حاصر سنـة اثنتيـن وثلاثيـن مدينـة لسـى وكاتـب أهلهـا بطريق صقلية يستمدونه فأجابهم وأعطاهم العلامة بإيقاد النار على الجبل. وبلغ ذلك الفضل بن جعفر فأوقد النار على الجبل وأكمن لهم من ناحيته فخرجوا واستطرد لهم حتى جاوزوا الكمين فخرجوا عليهم فلم ينج منهم. إلا القليل وسلموا البلد على الأمان. وفي سنة ثلاث وثلاثين أجاز المسلمون إلى أرض انكبردة من البر الكبير وملكوا منها مدينة وسكنوها وفي سنة أربع وثلاث صالح أهل رغوش وسلموا المدينة للمسلمين فهدموها بعد أن حملوا جميـع مـا فيهـا. وفي سنة ثلـاث وثلاثيـن توفـي أميـر صقليـة محمـد بـن عبد الله بن الأغلب واجتمع المسلمون بعده على ولاية العباس بن الفضل بن يعقوب بعد موت أميرهم. وكتب له محمد بن الأغلب بعهده. على صقلية وكان من قبل يغزو ويبعث السرايا وتأتيه الغنائم. ولما جاءه كتاب الولاية خرج بنفسه وعلى مقدمته عمه رياح فعاث في نواحي صقلية وردد البعوث والسرايا إلى قطانيه وسرقوسة وبوطيف ورغوس فغنموا وخربوا وحرقوا وافتتح حصوناً جمة وهزم أهل قصريانة وهي مدينة ملك صقلية. وكـان الملـك قبلـه يسكـن سرقوسـة فلمـا فتحها المسلمون كما ذكرناه انتقل الملك إلى قصريانة وأخبر أن العباس كان يردد الغزو إلى نواحي سرقوسة وقصريانة شاتية وصائفة فيصيب منهم ويرجع بالغنائـم والأسـارى. فلمـا كـان فـي شاتيـة منهـا أصـاب منهـم أسارى وقدمهم للقتل فقال له بعضهم وكـان لـه قـدر وهيبة استبقني وأنا أملك قصريانة ودلهم علي عورة البلد فجاؤوها ليلا ووقفهم بـاب صغيـر فدخلـوا منـه. فلمـا توسطـوا البلـد وضعوا السيف وفتحوا الأبواب ودخل العباس في العسكر فقتل المقاتلة وسبى بنات البطارقة وأصاب فيها ما يعجز الوصـف عنـه وذل الـروم بصقلية من يومئذ. وبعث ملك الروم عسكـراً عظيمـاً مـع بعـض بطارقتـه وركبـوا البحـر إلـى مرسـى سرقوسـة فجاءهم العباس من بليرم فقاتلهم وهزمهم وأقلع فلهم إلى بلادهم بعد أن غنم المسلمون من أسطولهم ثلاثة أو أكثر وذلك سنة سبع وثلاثين. وافتتح بعدها كثيراً من قلاع صقلية وجاء مدد الروم من القسطنطينية وهو يحاصر قلعة الروم فنزلوا سرقوسة وزحف إليهم العباس من مكانـه وهزمهـم ورجـع إلـى قصريانـة فحصنها وأنزل بها الحامية. ثم سار سنة سبع وأربعين إلي سرقوسة فغنم ورجع واعتـل فـي طريقـه فهلـك منتصـف سنتـه. ودفـن فـي نواحـي سرقوسـة وأحـرق النصارى شلوه وذلك لإحدى عشرة سنة من إمارته. واتصل الجهاد بصقلية والفتح وأجاز المسلمـون إلى عدوة الروم في الشمال وغزوا أرض قلورية وانكبرده وفتحوا فيها حصونا وسكن بها المسلمون ولمـا توفـي العباس اجتمع الناس على ابنه عبد الله وكتبوا إلى صاحب إفريقية وبعث عبد الله السرايا ففتح القلاع وبعد خمسة أشهر من ولايته وصل خفاجة بن سفيان من إفريقية علـى صقليـة فـي منتصـف ثمـان وأربعيـن وأخـرج ابنـه محمـوداً فـي سرية إلى سرقوسة فعاث في نواحيها وخـرج إليهـم الـروم فقاتلهـم وظفـر ورجـع. ثم فتح مدينة نوطوس سنة خمس وخمسين وسار إلى سرقوسة وجبل النار واستأمن إليه أهل طرميس ثم غدروا فسرح ابنه محمدا في العساكر وسبى أهلها. ثم سار خفاجة إلى رغوس وافتتحها وأصابه المرض فعاد إلى بليرم. ثم سار سنة ثلاث وخمسين إلى سرقوسة وقطانية فخرب نواحيها وأفسد زرعهـا وبعـث سراياه في أرض صقلية فامتلأت أيديهم من الغنائم. وفي سنة أربع وخمسين وصل بطريق من القسطنطينية لأهل صقلية فقاتله جمع من المسلمين وهزموه وعاث خفاجة في نواحي سرقوسة ورجع إلى بليـرم. وبعـث سنـة خمـس وخمسيـن ابنـه محمـداً فـي العساكـر إلـى طرميـس وقـد دلـه بعـض العيون على بعض عوراتها فدخلوها وشرعوا في النهب. وجاء محمد بن خفاجة من ناحية أخرى فظنوه مدداً للعدو فأجفلوا ورآهم محمد مجفلين فرجع. ثم سار خفاجة إلى سرقوسة فحاصرهـا وعـاث في نواحيها ورجع فاغتاله بعض عسكره في طريقه وقتله وذلك سنة خمس وخمسيـن وولـى النـاس عليهـم ابنـه محمـداً. وكتبـوا إلـى محمـد بـن أحمـد أميـر إفريقيـة فأقره على الولاية إبراهيم بن أحمد أخو أبي الغرانيق ولمـا توفـي أبـو الغرانيـق ولـي أخـوه إبراهيـم وقـد كـان عهد لابنه أبي عقال واستحلف أخاه إبراهيم أن لا ينازعه ولا يعرض له بل يكون نائبا عنه إلى أن يكبر فلما مات عدا عليه أهل القيروان وحملوه على الولاية عليهم لحسن سيرته وعدله فامتنع ثم أجاب وترك وصية أبي الغرانيق في ولده أبي عقال وانتقل إلى قصر الإمارة وقام بالأمر أحسن قيام. وكان عادلا حازماً فقطع البغي والفساد وجلس لسماع شكوى المتظلمين فأمنت البلاد وبنى الحصون والمحارس بسواحل البحـر حتـى كانت النار توقد في ساحل سبتة للنذير بالعدو فيتصل إيقادها بالإسنكدرية في الليلـة الواحـدة وبنـى سـور سوسـة. وفـي أيامـه كان مسير العباس بن أحمد بن طولون مخالفا على أبيـه صاحـب مصـر سنة خمس وستين فملك برقة من يد محمد بن قهرب قائد ابن الأغلب ثم ملـك لبـدة ثم حاصر طرابلس واستمد ابن قهرب بقوسة فأمدوه ولقي العباس بن طولون بقصر حاتم سنة سبع وستين فهزمه ورجع إلى مصر. ثم خالفت وزداجة ومنعوا الرهن وفعلت مثـل ذلـك هـوارة ثـم لواتـة وقتـل ابـن قهـرب فـي حروبهم فسرح إبراهيم ابنـه أبـا العبـاس عبـد اللـه إليهـم فـي العساكـر سنـة تسـع وستيـن فأثخـن فيهـم. وفي سنة ثمانيـن كثـر الخـوارج وفـرق العساكـر إليهم فاستقاموا واستركب العبيد السودان واستكثر منهـم فبلغـوا ثلاثـة آلـاف. وفي سنة إحـدى وثمانيـن انتقـل إلـى سكنى تونس واتخذ بها القصور ثم تحـرك إلـى مصـر سنـة ثلـاث وثمانين لمحاربة ابن طولون واعترضته نفوسة فهزمهم وأثخن فيهم. ثم انتهـى إلـى سـرت فانفضـت عنـه الحشـود فرجع وبعث ابنه أبا العباس عبد الله على صقلية سنة سبـع وثمانيـن فوصـل إليهـا فـي مائـة وستيـن مركبـا. وحاصـر طرابـة وانتقـض عليـه بليـرم وأهـل كبركيت وكانـت بينهـم فتنـة فأغـراه كـل واحـد منهـم بالآخريـن. ثـم اجتمعـوا لحربـه وزحـف إليـه أهل بليرم في البحر فهزمهم واستباحهم وبعث جماعة من وجوهها إلى أبيه وفر آخرون مـن أعيانهـم إلـى القسطنطينيـة وآخـرون إلـى طرميـس فاتبعهـم وعـاث في نواحيها. ثم حاصر أهل قطانية فامتنعوا عليـه فأعـرض عـن قتـال المسلميـن. وتجهـز سنـة ثمـان وثمانيـن للغـزو فغـزا دمقـش ثـم مسينـي. ثـم جاء فـي البحـر إلـى ربـو ففتحهـا عنـوة وشحـن مراكبـه بغنائمهـا ورجـع إلـى مسينـي فهدم سورها. وجاء مـدد القسطنطينيـة فـي المراكـب فهزمهم وأخذ لهم ثلاثين مرى. ثم أجاز إلى عدوة الروم وأوقع بأمم الفرنجة من وراء البحر. ورجع إلى صقلية. وجاء في هذه السنة رسول المعتضد بعزل الأميـر إبراهيـم لشكـوى أهـل تونـس بـه فاستقـدم ابنـه أبـا العباس من صقلية وارتحل هو إليها مظهراً لغربة الانتجاع. هكذا قال ابن الرقيق. وذكر أنه كان جائراً ظلوماً سفاكاً للدماء وأنه أصابه آخـر عمـره ماليخوليـا أسـرف بسببهـا فـي القتل فقتل من خدمه ونسائه وبناته ما لا يحصى. وقتل ابنـه أبـا الأغلـب لظـن ظنـه بـه. وافتقـد ذات يـوم منديـلا لشرابـه فقتـل بسببـه ثلاثمائـة خـادم. وأما ابن الأثير فأثنى عليه بالعقل والعدل وحسن السيرة وفكر أن فتح سرقوسة كان في أيامه على يد جعفـر بـن محمـد أميـر صقليـة وأنه حاصرها تسعة أشهر مدد وجاءهم المدد من قسطنطينية في البحر فهزمهم. ثم فتح البلد واستباحها. واتفقوا كلهم على أنه ركب البحر من إفريقية إلى صقلية فنزل طرابنة ثم تحول عنها إلى بليرم ونـزل علـى دمقـش حاصرهـا سبعـة عشـر يومـاً. ثـم فتـح مسينـي وهـدم سورها. ثم فتح طرميس آخر شعبان من سنة تسع وثمانين ووصل ملك الروم بالقسطنطينية ففتحها. ثم بعث حافده زيادة الله ابن ابنه أبي العباس عبد الله إلى قلعة بيقش فافتتحها وابنه أبو محرز إلى رمطة فأغطـوه الجزيـة. ثم عبر إلى عدوة البحر وسار في بر الفرنج ودخل قلورية عنوة فقتل وسبى ورهـب منـه الفرنجة. ثم رجع إلى صقلية ورغب منه النصارى في قبول الجزية فلم يجب إلى ذلك. ثم سار إلى كنسة فحاصرها واستأمنوا إليه فلم يقبل. ثم هلك وهو محاصر لها آخر تسع وثمانين لثمان وعشرين سنة من إمارته فولى أهل العسكر عليهم حافده أبا مضر ليحفظ العساكـر والأمـور إلـى أن يصـل ابنه أبو العباس وهو يومئذ بإفريقية فأمن أهل كنسة قبل أن يعلموا بموت جده وقبل منهم الجزية وأقام قليلا حتى تلاشت به السرايا من النواحي. ثم ارتحل ظهور الشيعي بكتامة وفـي أيامـه ظهر أبو عبد الله الشيعي بكتامة يدعو للرضا من آل محمد ويبطن الدعوة لعبيد الله المهدي من أبناء إسماعيل الإمام واتبعه كتامة وهو من الأسبـاب التـي دعتـه للتوبـة والإقلـاع والخـروج إلـى صقلية. وبعث إليه موسى بن عياش صاحب صلة بالخبر وبعث إبراهيم رسوله إلـى الشيعـي بانكجان يهدده ويحذره فلم يقبل وأجابه بما يكره. فلما قربص أمور أبي عبد الله وجاء كتاب المعتضد لإبراهيم كما قدمناه أظهر التوبة ومضى إلى صقلية وكانت بعده بإفريقية حـروب أبـي عبـد اللـه الشيعـي مـع قبائـل كتامـة حتـى استولـى عليهـم واتبعوه وكان إبراهيم قد أسر لابنه أبي العباس في شأن الشيعي ونهاه عن محاربته واتبعوه يلحق به إلى صقلية إن ظهر عليه. ابنه أبو العباس عبد الله بن إبراهيم أخي محمد أبي الغرانيق: ولما هلك إبراهيم سنة تسع وثمانين كما قدمناه قدم حافده زيادة الله بالجيوش على أبيه أبي العباس عبد الله بأمر إفريقية وعظم غناؤه وكتب إلى العمال كتابا يقرأ على الناس بالوعد الجميـل والعـدل والرفـق والجهـاد واعتقـل ابنه زيادة الله هذا لما بلغه عنه من اعتكافه على اللذات واللهو وأنه يروم التوثب عليه وولى على صقلية مكانه محمد بن السرقوسي. وكان أبو العباس حسـن السيـرة عـادلاً بصيراً بالحروب وكانت أيامه صالحة وكان نزوله بتونس. ولما توفي استولى أبـو عبـد اللـه الشيعـي علـى كتامـة ودخلوا في أمره كافة وزحف إلى ميلة فافتتحها وقتل موسى بن عياش. وكان فتح بن يحيى أمير مسالة من عبادة حارب أبا عبد الله طويلاً ثم غلبه واستولـى علـى قومـه فنـزع فتـح إلـى أبـي العباس وحرضه على قتال يكزاخول وإنما كان يكر على جفنـة إذا نظـر وزحـف إليه من تونس سنة تسع وثمانين ودخل سطيف ثم يلزمه وقتل من دخل فـي دعوتهـم. ولقيـه أبـو عبـد اللـه الشيعـي فانهـزم وهـرب من تاوزرت إلى انكجان وهدم أبو خول قصـر الشيعـي ثم قاتلهم يوماً إلى الليل فانهزم عسكر أبي خول ولحق بتونس ورجع بكتامة إلى مواضعهم. ولما دخل أبو خول بأبيه جند له العسكر وأعاده ثانية وانتظمت إليه القبائل وسار حتى نزل سطيف. ثم ارتحل منها إلى لقائهم. وزحف إليه أبو عبد الله فهزمه ورجع إلى سطيـف ثـم ارتحـل منهـا إلى لقائهم. وفي أثناء ذلك صانع زيادة الله بعض الخدم على قتل أبيه أبي العباس فقتل نائما في شعبان سنة تسعين ومائتين وأطلق زيادة الله من اعتقاله. ابنه أبو مضر زيادة الله ولما أطلق زيادة الله من الاعتقال اجتمع أهل الدولة وبايعوا له فقتل الخصيان الذين قتلوا أباه وأقبل على اللذات واللهو ومعاشرة المضحكين والصفاعين وأهمل أمور الملك واستقل. وكتب إلى أخيه أبي خولط على لسان أبيه يستقدمه وقدم فقتله وقتل عمومته وإخوته. وقوي أمر الشيعـي وانتقـل زيـادة اللـه إلـى رقـادة ليلاً لئلا يخالفه الشيعي إليها. وفتح الشيعي مدينة سطيف فسـرح زيـادة اللـه العساكـر لحربـه وعقـد عليهـا لإبراهيـم بـن حبيـش مـن صنائعـه فخـرج فـي أربعيـن ألفـاً وأقام بقسطيلة ستة أشهر فاجتمعت إليه مائة ألف وزحف إلى كتامة وتلقوه بأجانة فأضرمت عساكـره وولـت الهزيمـة عليـه. وانتهـى إلـى باغايـة ثم انتقل إلى القيروان وافتتح أبو عبد الله مدينة طبنـة وقتـل فتـح بـن يحيـى المسالتـي وكـان بهـا. ثـم فتـح يلزمـة وهدم سورها. ثم وصل عروبة بن يوسـف مـن أمـراء كتامـة إلى باغاية وأوقع بالعساكر التي كانت بها مجمرة لحربهم بنظر هارون بن الطبني. وأرسل أبو عبد الله الشيعي إلى تيحيسن فحاصرها ثم افتتحها صلحاً. وكثر الإرجاف بالقيروان ففتح زيادة الله ديوان العطاء واستلحق واستركب وأجمع الخروج فخرج إلى الأربس سنـة خمـس وتسعيـن فلمـا انتهى إليها تخوف غائلة الشيعي وأشار عليه أهل بيته بالرجوع فرجع إلـى رقـادة وقـدم علـى العساكـر إبراهيم بن أبي اأغلب من وجوه أهل بيته. ثم زحف أبو عبد الله إلى باغاية ففتحها صلحا وهرب عاملها. ثم سرب أبو عبد الله الجيوش فبلغت مجانة وأوقعوا بقبائل نفزة واستولوا على تيفاش. وزحف ابن أبي الأغلب إلى تيفاش فمنعه أهلها وهزمـوا طلائعـه فافتتحهـا وقتـل مـن كـان بهـا. ثـم خـرج أبـو عبـد اللـه الشيعـي فـي عساكر كتامة إلي باغايـة ثـم إلـى سكايـة ثـم إلـى سبيبـة ثـم إلى حمودة فاستولى على جميعها وأمن أهلها ورحل ابن أبـي الأغلـب مـن الأربـس. ثـم سـار أبـو عبد الله إلى قسطيلة وقفصة فأمنهم ودخلوا في دعوته وانصرف إلى باغاية ثم إلى انكجان. وزحف ابن أبي الأغلب إلى باغاية فقاتلها وامتنعت عليه ورجع إلى الأربـس. ثـم زحـف أبـو عبـد اللـه إلـى الأربـس سنـة سـت وتسعيـن فـي جمـادى ومـر بشق بنارية وأمن أهلها إلى قمودة.
|